وفي ما يلي نص الرسالة
بسم الله الحكيم القدير
فخامة الرئيس/ الدكتور محمد مرسي
رئيس جمهورية مصر العربية المحترم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، و بعد،
يسرنا أن نهنئكم بانتصار الشعب المصري و نجاحه في الإطاحة بالحكم الاستبدادي الغاشم في مصر، و بلورة دولة مصرية جديدة تعتمد القيم الإسلامية، كما نهنئكم بمناسبة فوزكم في الانتخابات الرئاسية الديمقراطية، و إقرار الدستور المصري بالتصويت له بالإيجاب ..
و بما أننا قد شهدنا نجاح الشعب الإيراني العظيم من خلال انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني رض" الذي كان، بحق، حكيما و عارفا و عالما فذا علي صعيد تأريخ العالم الإسلامي؛ ثم شهدنا تجربة 34 عاما من الكفاح المرير ضد الصهيونية و الاستكبار العالمي من أجل إرساء أسس الجمهورية الإسلامية في إيران ؛ فإننا نود أن نطرح علي فخامتكم نقاطا هي كما يلي:
1. لقد حقق العالم المتصف بالمتقدم نجاحات جمّة، إلا أنه قد واجه و يواجه الكثير من الأزمات الفردية و الاجتماعية التي يكون مَنشؤها الرئيسي هو الابتعاد عن حقيقة الإسلام، و سبب ذلك يرجع إلي فقدانه إيمانا قويا بكتاب الله و حكمته ـ أو عدم اكتمال إيمانه علي أقل تقدير ـ مما جعله مصداقا لـ "الإيمان ببعض الكتاب و الكفر ببعضه " ...
2. لقد أصبح العالم الغربي يؤكد اليوم علي أهمية الدين و دوره في إدارة و توجيه القيم الاجتماعية كما في صحة الفرد و الأسرة و المجتمع. حيث يلاحَظ اتجاه التدين و التوجه الديني كاتجاه جدّي مطروح في المجتمع. إن العودة إلي الدين، هي نتيجة وجود الطرق المسدودة التي أدي إليها مسار التنمية و التطور المنفصل عن الدين كما هي حصيلة الأزمات الاجتماعية الواسعة الانتشار.
3. إن الدين ـ و الإسلام بوجه خاصّ ـ يمثل المرجع لمعالجة القضايا و المشاكل علي الصعد الوطنية و الدولية. فبدون التمسك بعروته الوثقي، تنفصم جميع العري و يتعرض كلٌ من الفرد و المجتمع لخسارة كبري يخسر من خلالها كل الأرصدة الإنسانية و الاجتماعية.
4. إن الأمور، من البداية إلي النهاية، ترجع إلي الله. و من خلال التمسك بالقدرة الإلهية اللانهائية، تتحقق كل النجاحات المنطوية علي السلامة و السعادة. إلي الله مرجعكم و هو علي كل شيء قدير (هود ـ 4). و إذا أراد الله، فإنه تعالي يضفي علي العقل الإنساني سعة كبيرة يتحول بها إلي مصدر عظيم لإبداع ظواهر جديدة مفيدة و مؤثرة في مسرح الحياة. "فمن يرد اللهُ أن يهديه يشرح صدره للإسلام و من يرد أن يُضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصّعّد في السماء . كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لايؤمنون. (الأنعام ـ 125)
5. إن الرؤي المتمحورة حول مبدأ أصالة الإنسان لاتلبي متطلبات الإنسان الروحية و المادية تلبية شاملة. فلايمكن تحقيق السلامة و السعادة للإنسان بدون التوجه إلي الكمال المطلق الذي ليس له مصداق إلا الله تعالي وحده.
6. إن الولاية ـ في أصلها و حقيقتها ـ لله تعالي و لرسوله و لأوليائه. و إن أفضل مناهج و أنماط الحياة هو ما يكون مستمَدّا من الولاية الإلهية . فأي نظام حكم يضع سياساته و يُنشئ مؤسساته و يخطط لأموره في ظل الولاية الإلهية و في اتجاهها، فإنه سيصل إلي الصلاح و السعادة، و سيكون مصدرا للرقي و الكمال. و لاشك أن هذا الطريق دونه خرط القتاد و سلوكه يتطلب جهدا جهيدا و عملا دؤوبا، كما يتطلب الاستعداد لتحمل الصعوبات الناتجة عن النضال ضد كبار الشياطين.
7. إن الإسلام يمثل أكبر وديعة منّ الله بها علي البشرية . حيث يؤدي إدراك حقيقته إلي السلامة و السعادة و الراحة أبديا. و بدون التمسك بمبادئ الإسلام، فإن جميع الشؤون المرتبطة بحياة الإنسان ـ سواء الفردية منها أو الاجتماعية، أو ما يتصل منها بالمجالات السياسية و الاقتصادية و الثقافية ـ ستؤدي إلي الضلال و الضياع أو إلي نمو ناقص أو ظهور مجتمع مشوّه معيب.
8. بدأت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مشوارها علي أساس تفكير محوري يتمثل في حضور الإسلام في مجمل نظام الحكم و جميع مسارات الإدارة التنفيذية و التشريعية و القضائية. و وضعت بنيان الحكم علي قاعدة الإسلام العزيز. و في الأول من أبريل عام 1979م عُرض مبدأ النظام الجمهوري الإسلامي للاستفتاء العام فأقره الشعب الإيراني بنسبة 2/99 بالمائة من الأصوات. ثم في نوفمبر من نفس العام، جري استفتاء عام علي دستور الجمهورية الإسلامية الذي كان قد أقره مجلس الخبراء، فوافق عليه الشعب الإيراني بأغلبية أصواته.
9. إن أهم مواد الدستور هو المادتان الأولي و الثانية ، اللتان تنصان علي تبني الجمهورية الإسلامية المبادئ العقائدية للإسلام و تشريعاته.
10. لقد تحققت إنجازات قيمة خلال 34 عاما من الجهاد و التدبير و النضال المرير ضد الاستكبار العالمي و أعداء الإسلام و المسلمين علي الصعيد الدولي. و أهم هذه الإنجازات، هو الإصرار علي استقلالية الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن القوي الشرقية و الغربية، و رفض أي هيمنة علي أرض إيران الإسلامية. و في هذا الصدد، ظل دعم الشعب الفلسطيني المظلوم و كل المظلومين في العالم، مبدأ محوريا في السياسة الخارجية الإيرانية. و قد دفعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أجل اتباعها هذه السياسة ثمنا باهظا، حيث فُرض عليها الحرب و الحصار الشامل و الضغوط السياسية الدولية إلخ ...
11. لقد تحققت انجازات ضخمة باهرة في مجال التنمية السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الإعمارية. فعلي الرغم ما فـُرض علي الشعب الإيراني من حرب ضروسة طالت ثماني سنوات، بالإضافة إلي انواع الحصار الاقتصادي و السياسي؛ تفتخر الجمهورية الإسلامية اليوم بأنها من خلال تمسكها بالإسلام و تمتعها بالقيادة الحكيمة الإلهية لكل من مؤسس الجمهورية الاسلامية الإمام الخميني وقائد الثورة الاسلامية آية الله العظمي السيد علي الخامنئي، قد نجحت في القضاء علي الفقر و الحرمان في مناطقها الريفية و مدنها المحرومة، و في نفس الوقت أحرزت حيّزا واسعا في ميدان العلم و التقنية. و فيما يلي نشير إلي بعض من هذه الإنجازات:
تؤكد الإحصائيات الرسمية لمنظمة اليونيسكو، أن إيران الإسلامية قدأحرزت قصب السبق من مجموع أربعة أخماس دول العالم و ذلك بتسجيلها 13 إلي 16 عاما للعمر الدراسي المتوقع ، و نسبة 95 إلي 99 بالمائة لتعلّم الشباب ، و 85 إلي 95 بالمائة لتعلم كبار السن ، بالإضافة إلي ارتفاع نسبة تعلم المرأة (55 ـ 75 بالمائة، و هي نسبة تفوق ما لدي أي دولة من دول العالم). بينما كانت نسبة المتعلمين في إيران ما قبل الثورة لاتتجاوز 28 بالمائة.
حسب ما أعلنه رسميا كل من منظمة ساينس متريكس ، و قسم التجارة و التطوير و المهارة التابع للحكومة البريطانية و مؤسسة اسبرينغر ، قد شهدت إيران خلال ثلاثة عقود مضت نموا بنسبة 4/14 بالمائة في مجال العلم و التقنية، و بذلك سجلت "أعلي" نسبة لنمو الإنتاج العلمي علي مستوي "العالم" . حيث تتبوء إيران حاليا الرتبة السادسة عشر في مجال الإنتاج العلمي علي المستوي العالمي بعد أن كانت في الرتبة الثانية و الخمسين قبل انتصار الثورة الإسلامية. و تعتبر المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم أن التقدم العلمي السريع في إيران، علي صلة بتطور الآليات و الأجهزة التقنية، و الأدوية، و تقنية الاتصالات في هذا البلد، فضلا عن الإنتاج العلمي .
في مجال الاتصالات و تقنية المعلومات، تتوفر إمكانية الوصول إلي الانترنت لـ 42 مليون مواطن إيراني (معامل الانتشار 53 بالمائة) و بذلك تحتل إيران الرتبة الأولي علي مستوي الشرق الأوسط و التاسعة علي مستوي العالم، كما تحتل الرتبة التاسعة عالميا من حيث نمو إمكانية الوصول .
حسب ما أعلنته منظمة اليونيدو رسميا ، قد تبوأت إيران الرتبة الأولي عالميا في مؤشر شدة وتيرة التطوير الصناعي بعد أن سجلت نموا بنسبة 54/0 بالمائة في هذا المجال. و في مجال إجمالي الإنتاج الفردي المحلي (15 ألف دولار أمريكي) تأتي رتبة إيران فوق رتب ثلاثة أرباع دول العالم. و في سياق المقارنة بين الإحصائيات المالية الإيرانية قبل الثورة الإسلامية و بعدها، يدل تقرير البنك الدولي علي نمو سريع في ما يخص مؤشرات التنمية. فعلي سبيل المثال، تجاوز مؤشر إنتاج المحاصيل الزراعية عدد الـ 110، حيث سجل نموا بنسبة أكثر من 600 بالمائة في 18 محصولا زراعيا .
و من النجاحات المتحققة في إطار "وثيقة آفاق التنمية العشرينية للجمهورية الإسلامية الإيرانية" و " وثيقة الخريطة العلمية الشاملة للجمهورية الإسلامية الإيرانية"، يمكن الإشارة إلي التوصل للتقنية النووية و استخدامها سلميا في مجال إنتاج الطاقة النظيفة و المجالات الطبية و الزراعية، و إلي تحقيق التقدم العلمي في مجال الخلايا الأساسية و حالات استعمالها في الطب و التقنية الدقيقة و التقنية البيئية. و في عام 2005 تم إدراج اسم إيران الإسلامية في القائمة العالمية بصفتها الدولة التاسعة التي تطلق القمر الصناعي المحلي الصنع إلي الفضاء . إن التوصل إلي تقنية توفير الوقود النووي و تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة، و تقنية 150 نوعا من السائل الأيوني، و صهر و تكرير الفولاذ في فرن القوس الكهربائي، و تقنية حفر آبار النفط و الغاز في المياه العميقة التي تبلغ عمقها 800 إلي 1000 متر، و بناء السدود و المحطات الكهرومائية لإنتاج الطاقة ... كل ذلك نماذج من تحقق الخطط المتعلقة بوثيقة الآفاق العشرينية.
إن حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد وضعت علي رأس قائمة برامجها كلا من "خطة التطور الاقتصادي" و "الاقتصاد المقاوم" و ذلك لغرض الاقتراب أكثر فأكثر من هدف التقدم المصحوب بالعدالة، و إصلاح أنظمة الدعم الحكومي، و الضرائب، و الجمارك، و المصارف، و توزيع السلع و الخدمات، و دعم العملة الوطنية، و الإنتاجية.
إننا نعتبر الإنجازات الكثيرة الحاصلة في المؤشرات الكمية و النوعية في إيران الإسلامية، نتيجة تجربة الثورة الإسلامية التي أخذت التوازن بين الفرد و المجتمع، و في أجمل صوره، بعين الاعتبار. إن البرنامج الرئيسي القادم للدولة يتركز علي "بناء الحضارة الإسلامية الحديثة". هذا البرنامج الطويل الأمد يعتمد علي نموذج خاص من التقدم، و هو نموذج يرتكز علي المبادئ الإسلامية الراقية سواء من حيث المبادئ النظرية و المعرفية أو من حيث النهج العملي، كما يتميز عن الأساليب و الأنماط الدخيلة المفروضة من قبل العالم الغربي و الصهيونية الدولية تحت عنوان مؤشرات و معايير التنمية.
يا صاحب الفخامة،
إن المفكرين المسلمين في إيران مستعدون، و بصفة مؤكدة، ليضعوا ما لديهم من تجارب و خبرات علمية تحت تصرف الحكومة المصرية الموقرة و الشعب المصري المسلم الشريف، و هم ـ علي ضوء قوله تعالي "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم و اتقوا الله لعلكم ترحَمون" (الحجرات ـ 10) ـ مقتنعون بأن العالم الإسلامي يمتلك من الطاقات و الإمكانيات ما من شأنه أن يكون مصدرا لنجاة العالم و صلاحه و سعادته. إن إثارة نعرات الفرقة المذهبية ـ الطائفية في العالم الإسلامي تشكل فتنة كبري يقوم أعداء الإسلام و المسلمين بالتخطيط لها و إثارتها بصور شتي.
بناء علي ما تقدم، نتوجه إلي فخامتكم، باعتباركم رجلا يتميز بخلفية عقائدية و حكمة و تفكير عميق و يترأس دولة ترث الحضارة الإسلامية المجيدة، فنوصيكم بأن تجعلوا أساس إدارة الدولة، قطعيا و فعليا، علي قاعدة إسلامنا العزيز، دون أن تأبهوا بالأهداف و الضغوط الدولية و أجواء ما يسمي بالحركة التنويرية المتأثرة بالاتجاهات القائلة بفصل الدين عن مسرح السياسة و الثقافة و الاقتصاد. "من كان يريد العزة فلله العزة جميعا، إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه. و الذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد و مكر أولئك هو يبور" (الفاطر ـ 10)
ندعو بالعز و الرفعة لمصر المسلمة حكومة و شعبا و لجميع المسلمين في العالم، متمنين لكم دوام الصحة و السعادة.
الدكتور علي اكبر ولايتي استاذ بجامعة الشهيد بهشتي - الدكتور غلام علي حداد عادلرئيس معهد اللغة الفارسية وادابها - الدكتور أيت الله مصطفي محقق داماد استاذ القانون والفلسفة الاسلامية - الدكتوراحمد احمدي استاذ الفلسفة بجامعة طهران - الدكتور سعيد رضا عاملي استاذ قسم الاتصالات بجامعة طهران- الدكتور جليل تجليل استاذ في جامعة طهران -الدكتور غلام حسين ابراهيمي ديناني استاذ الفلسفة بجامعة طهران -الدكتور علي رضا مرندي رئيس المعهد العالي الايراني للعلوم الطبية- الدكتور صادق ايينة وند استاذ التاريخ بجامعة الشهيد بهشتي - الدكتور الدكتور رضا روستا ازادرئيس جامعة شريف الصناعة- الدكتور غلام رضا اعواني استاذ ممتاز للفلسفة بجامعة طهران- الدكتور فرهاد رهبر رئيس جامعة طهران-الدكتور كريم مجتهدي استاذ الفلسفة بجامعة طهران-الدكتور محمد رضا كنجعلي استاذ الكيميا بجامعة طهران- الدكتور محمد رضا مخبر دزفولي امين المجلس الاعلى للثورة الثقافية - الدكتور محمد علي معلم دامغاني رئيس اكاديمية الفنون - الدكتور منصور خليلي عراقي استاذ الاقتصاد بجامعة طهران.
تعليقك